الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
108032 مشاهدة
بيان بعض الأخطاء التي يقع فيها الحاج

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، الحمد لله القائل: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ .
والصلاة والسلام الأتمّان الأكْمَلان على أشرف عباد الله وأكرمهم عند ربه ومولاه محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد:
أيها الأحبة في الله، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. نحمد الله -جل وعلا- على ما مَنَّ من هذا اللقاء، ثم نتوجه بالشكر الجزيل إلى صاحب الفضيلة؛ فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين بارك الله في علمه وعمره ونفع به الإسلام والمسلمين، وشكر الله له إجابته للدعوة وجعل خطواته إلى هذا المسجد المبارك في ميزان حسناته يوم يلقى الله.
أيها الأحبة، كلنا في شوق لسماع حديث فضيلته، وإنني لأشكر كل من حضر كلا باسمه، وأبشروا فلعل هذا المجلس يكون من مجالس الذكر؛ التي وعد الله -جل وعلا- أنه يذكر أهله فيمن عنده، وتتنزل عليهم السكينة وتغشاهم الرحمة ويقال: انصرفوا مغفورا لكم.
أيها الإخوة، لقاء الشيخ حفظه الله بعنوان فتاوى الحج، وستوزع أوراق الأسئلة على الإخوة فأرجو منا أن نتعاون؛ حتى يتيسر العرض على فضيلة الشيخ، وأترككم مع فضيلته، فليتفضل مشكورا أثابه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تعرفون أيها الإخوة أهمية حج بيت الله الحرام وفضله، والأدلة على ذلك الكثيرة وبمناسبة قربه، ونحن الآن في شهر ذي الحجة، وفي العشر التي هي عشر ذي الحجة والناس يتهيئون ويستعدون لأداء هذه المناسك التي هي مناسك الحج، فأعرف أن الكثير منكم تكرر حجهم والحمد لله؛ وذلك لتيسر الأمور وسهولة الاتصال بتلك البقع وبتلك الأماكن، فما بقي -والحمد لله- مشقة ولا كلفة كما كانت موجودة من قبل؛ فقد دكت عقبات التعويق، وقطع دابر قطاع الطريق الذين كانوا يقطعون على الحجاج ويحولون بينهم وبين أداء مناسكهم، وأمنت الطرق بواسطة هذه الولاية والدولة الرشيدة أرشدها الله تعالى، ومع ذلك فإن الذين يحجون وقد تكرر حجهم مرة أو أكثر؛ يقع منهم بعض الأخطاء في أداء هذه المناسك؛ فأحب أن أنبه على بعض الأخطاء لا على جميعها حتى يتجنبها المسلم، وكذلك أيضا بعض التوهمات التي يظنونها من المناسك وليست من المناسك.
معلوم أن الإحرام هو النية؛ فإذا حصلت النية دخل الإنسان في ذلك النسك حجا أو عمرة أو كلاهما؛ فلا بد من النية، فإذا لبس الإنسان لباس الإحرام كالإزار والرداء والنعلين فلا يكون محرما إلا بعقد النية.
يعتقد بعض الناس أن كل من لبس فإنه يعتبر محرما، كل من رأوه بإزار ورداء، قالوا: هذا قد أحرم فلا يحرم ولا يدخل في النسك إلا بعد النية، فلو مثلا لبس إزاره ورداءه وهو في هذا البلد في الرياض وتوجه وهو لم ينو جاز له أن يتطيب قبل أن ينوي، وجاز له أن يغطي رأسه، وجاز له أن يقلم، وجاز له أن يباشر امرأته؛ لأنه والحال هذه لم يكن قد نوى؛ فالإحرام هو النية.
كذلك أيضا يتساهل كثير من الناس ويتجاوزون الميقات قبل أن يحرموا، أو يحرمون قبل أن يصلوا إلى الميقات.
أنكر بعض العلماء الإحرام قبل الميقات، ولعل ذلك خاص بما إذا اعتقد الأفضلية، اعتقد أنه أفضل؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- حدد المواقيت؛ حدد هذه المواقيت التي يحرم الناس منها، فمن اعتقد أن الإحرام قبلها أفضل أُنكر عليه. وقد أنكر عثمان -رضي الله عنه- على بعض أهل زمانه الذي أحرم من بلاد بعيدة وبقي محرما نحو شهر ونصف أنكر عليه، ومع ذلك فإن إحرامه منعقد.
أما الذين يؤخرون الإحرام فيقع ذلك غالبا في الذين يركبون الطائرة، الذين يتوجهون عن طريق الجو، فإن بعضهم يغفل عن الإحرام فلا يحرم إلا بعدما يتجاوز الميقات، أو لا يحرمون إلا بعد ما ينزلون في جدة وهذا خطأ حيث إنهم يتجاوزون الميقات قبل أن يحرموا.
ذكر العلماء أن من تجاوز الميقات ثم رجع إليه فأحرم منه فإن ذلك يجبره ولا شيء عليه، وأما إذا أحرم بعدما تجاوز الميقات فإنه يجب عليه دم؛ دم جبران إذا تجاوز ميقات أهل الرياض الذي هو السيل وأحرم بعدما جاوزه مثلا بخمس كيلو أو ثلاث كيلو - صدق عليه أنه تجاوزه فوجب عليه أن يجبر ذلك بدم.
من الأخطاء أيضا اعتقاد جواز التحلل قبل الانتهاء من أعمال النسك؛ بمعنى أن الإنسان يعتقد أنه جائز له أن يُتم نسكه، أو أن يلغيه وهذا لا يجوز؛ لقول الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ؛ أي من دخل في النسك وجب عليه إتمامه. فإذا أحرمت بالعمرة لزمك إتمامها، وإذا أحرمت بالحج لزمك إتمامه، فإن لم تتمكن لعارض فإن عليك ما على المحصر، قال الله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .
يذكر بعض الناس أنه أحرم بالعمرة في يوم ستة وعشرين من رمضان، ولما جاء إلى مكة وجد الزحام الشديد فألغى عمرته، وخلع إحرامه ولبس ثيابه ورجع إلى أهله، وهذا خطأ؛ فإن من دخل في النسك لزمه الإتمام.
فعلى هذا نقول له: إنك ألغيت إحرامك ولكنك لا تزال محرما، وإن لباسك خطأ، وتغطية رأسك خطأ، وكذلك قصك وتطيبك ووطؤك امرأتك كل ذلك خطأ؛ أنت لا تزال محرما، عليك أن تخلع ثيابك وترتدي بإحرامك وترجع إلى مكة لأداء هذا النسك الذي تلبَّست به؛ فإن الله تعالى أمر بالإتمام وَأَتِمُّوا ؛ يعني متى دخلتم في النسك فعليكم الإتمام.
وهكذا يذهب بعض الناس بالأطفال بالصبي مثلا الذي عمره ثلاثا أو أربعا أو خمسا ذكرا أم أنثى، فيدخلونه في النسك، يلبسونه إحراما ويدخلونه في النسك، ثم إذا جاءوا مكة ورأوا مشقة عليهم ألغوا إحرامه، وقالوا له: البس ولا حرج عليك، وهذا أيضا خطأ؛ وذلك لأنهم لما أدخلوه وجب عليهم إتمامه للنسك، وجب عليهم أن يطوفوا به وأن يسعوا به وأن يقصروا إذا كان الإحرام عمرة، أو يكملوا المناسك إذا كان الإحرام بحج، ولا يجوز إبطال الإحرام.
فمن دخل في النسك فعليه إتمامه ولا يجوز له إلغاؤه إلا إذا أحصر؛ منعه عدو، أو منعه مرض؛ فإن عليه -والحال هذه- أن يفدي: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ إذا منعه مرض ولم يتمكن أو منعه عدوّ؛ كما حصل للمسلمين في الحديبية ذبحوا ما تيسر من الهدي شاة، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة وتحلل.
إلا إذا كان قد اشترط، إذا كان الإنسان يخشى أن يمنعه مانع كمرض أو نحوه فله أن يشترط وينفعه شرطه، في الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- دخل على بنت عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقال لها: هل تريدين الحج ؟ فقالت: إني أريد الحج وأجدني شاكية -يعني: مريضة- فقال: حجي واشترطي؛ فإن لك على ربك ما استثنيتي فمن خاف عدوا أو خاف مرضا أو خاف ضياعا أو عدم تمكن، كالحائض إذا خافت الحيض وأحرمت وخافت أنها لا تتمكن من إتمام النسك لأجل الحيض، وأن رفقتها لا ينتظرونها فلهم أن يشترطوا، فيقول: اللهم إني أحرمت بعمرة أو بحج فيسره لي، وتقبله مني فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني؛ أي فتحللي حيث تحبسني، ففي هذه الحال إذا اشترط فإن له على الله ما استثنى. هذه بعض الأخطاء في الإحرام؛ يعني في النية ونحوها.
كذلك معروف أن الإحرام بإزار ورداء، الإزار يشده على وسطه، والرداء يضعه على ظهره، ولا يجوز أن يغطي رأسه، وله أن يلبس الحذاء في قدميه، فيحرم في إزار ورداء ونعلين.
يقع من بعض الناس أخطاء في ذلك، فمن ذلك أن بعضهم يزرّ الرداء بأزارير، يجعلون له أزارير كأزارير الثوب، أو شبابيك؛ في هذه الحال يصبح كأنه مخيط. والأصل في الرداء أنه يلقى على الظهر وأن صاحبه يلفّه على صدره، أو يلقي طرفيه على منكبيه، فأما كونه يزره فإنه يصبح كأنه مخيط؛ فيكون بذلك قد لبس ما يشبه المخيط أو المخيط، نرى أن هذا أيضا من الخطأ، فعليه أن يتركه، وإذا احتاج مثلا إلى أن يشتغل ألقاه على كتفيه من هنا ومن هنا واشتغل.
كذلك أيضا سمعنا أن بعضهم يخيط الإزار يخيط طرفيه، ويجعل فيه أيضا تكاكة في أعلاه فيكون كأنه مخيط؛ بحيث إن ذلك المطاط يتماسك على بطنه فلا يحتاج إلى حزام ولا غيره، وهذا أيضا من الخطأ، وحتى لبس الحزام منعه بعضهم، وإن كان يجوز للحاجة ليشدّه به.
كذلك السنة أنه بعدما يحرم يرفع صوته بالتلبية يلبي، التلبية: إجابة للدعوة؛ يغفل كثير من الناس عن هذه التلبية ولا يستعملونها إلا قليلا. المحرم بحج أو عمرة عليه أن يكثر من التلبية وأن لا يغفل عنها، وأن يكون أيضا اشتغاله بالذكر وبالدعاء وبالقراءة ونحو ذلك؛ حتى يشغل بذلك وقته وحتى يتحقق أنه متلبس بهذا النسك.
كذلك أيضا نعرف أن الإحرام يسن أن يكون عقب صلاة إن تيسر أنه في وقت فريضة أحرم بعد الفريضة، وإلا فله أن يصلي ركعتين ولكن في غير وقت النهي؛ إذا كان في وقت النهي فإنه لا يصلي؛ لأن صلاة الإحرام ليست من ذوات الأسباب، وليس للإحرام دعاء خاص، وليس له صلاة خاصة بل يدعو بما تيسر ويصلي إذا تيسر.
أما الاغتسال يعتقد بعض الناس أنه واجب، وأنه لازم في ذلك المكان الذي هو محل الإحرام وهذا ليس بصحيح. إن تيسر لك أن تغتسل فهو أفضل، وإن شق ذلك عليك فلا حرج، وإن اغتسلت وأنت في بيتك وأحرمت إذا وصلت الميقات. أي بعد خمس ساعات أو عشر ساعات في هذه المدة القصيرة لا يحدث من الإنسان شيء من أو عادة وسخ، أو عرق أو نحو ذلك في هذا الزمن القصير فلا حاجة إلى إعادة الاغتسال، وأما إذا لم يتيسر لك الاغتسال في بيتك فاغتسل في الميقات لتحصل على النظافة ولتحرِم على طهر.
أما بالنسبة إلى الطواف فمعلوم أنه تحية مكة أن الإنسان أول ما يقدم يبدأ بالطواف؛ وذلك لأنه أفضل أعمال الناسك، وأيضا فإنه من الخصائص، ليس هناك بقعة يطاف بها إلا البيت الحرام الطواف به يعتبر عبادة وقربة من القرب.
فالطواف عبادة يقع من الناس فيه بعض الأخطاء، فمن ذلك اعتقادهم أن الابتداء لا يكون إلا من ذلك الخط الأسود الممتد مقابل الحجر وهذا ليس بصحيح؛ بل لو ابتدأ قبله بخطوات، أو بعده بخطوات صدق عليه أنه محاذ للحجر، سيما إذا كان الطائف بعيدا، يحصل به أو عنده زحام شديد بحيث إن الناس إذا أقبلوا عليه أخذ كل منهم ينظر تحت قدميه، فلا يكبر إلا إذا حاذى أو وقف على ذلك الخط، ويقع هناك مضايقات، ويقع زحام شديد، ويقع احتكاك من الرجال الأجانب بالنساء الأجنبيات.
ونحن نقول: إن الشوط يبدأ ولو قبله بخطوات ولو بعده بخطوات، فلا يتقيد بذلك الخط؛ فهو إنما جُعل احتياطا.
كذلك أيضا ننصح من يريد الطواف أن يبتعد عن المحيط الذي فيه النساء، وأن يكون على جانب، وأن يتجنب مزاحمة النساء؛ فإن ذلك قد يفسد عليه إحرامه، وقد يفسد عليه طوافه، حيث إن كثيرا منهم قد يضطر إلى أن يلتصق بدنه ببدن امرأة فتثور شهوته، ويحصل منه إنزال ينقض الوضوء ويوجب عليه الغسل ولو كان غير متعمد، فإذا ابتعد عن أماكن النساء فإنه يسلم من ذلك.
وإذا كان معه امرأة أو نساء فإن عليه أن يطوف في الأطراف؛ ليبتعد عن محيط الرجال بنسائه حتى لا يسبب فتنة، ولا يسبب ما يبطل طهارة الطائفين ونحوهم. وإذا اضطر إلى القرب من امرأة فإنه يتحاشى أن لا يمسها، ذهب بعض العلماء إلى أنه لو مسها مجرد لمس بدون حائل ينتقض وضوءه؛ فيحتاج إلى تجديد الوضوء مجرد لمس! هكذا ذهب الشافعية ونحوهم، وبكل حال يبتعد عن ما يفسد عليه طهارته أو يوقعه في حرج أو في خلل.
كذلك أيضا السنة تقبيل الحجر الأسود بوضع شفتيه عليه من غير تصويت، ومع ذلك يعتقد بعض الناس أنه إذا لم يقبله لم يتم حجه، أو يعتقد أن في تقبيله أجر كبير. النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الزحام عند الحجر، وقال لعمر إني أراك نشيطا فلا تؤذِ الناس، إن وجدت فُرجة فاستلم وإلا فامضِ فمن الخطأ المزاحمة الشديدة عند الحجر إلى أن يقبله، أو إلى أن يستلمه.
وما روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يزاحم؛ فلعله لم يبلغه النهي ولعله رأى أن هناك سعة، وزمانه قد لا يكون مثل زماننا في كثرة الحجاج وكثرة أو شدة الزحام؛ سيما وهناك أيضا نساء يزاحمن، فالذي يزاحم قد يقع أيضا في الاحتكاك ببعض النساء اللاتي يأتين، ونقول أيضا: إن من الخطأ أن يأتي الرجل بامرأته، أو بموليته إلى ذلك المكان تنزلا على رغبتها إذا قالت: أريد أن أحب أريد أن أقبل، نقول: إذا كان هناك زحام فلا تأت بها؛ حفاظا عليها وعلى الناس.
كذلك أيضا من الخطأ أن بعض الناس يطوفون بين الحِجْر وبين البيت والطواف الصحيح إنما هو وراء الحِجْر فالذين يقتصرون فيدخل أحدهم من بعد الحِجر الشرقي ويخرج من الغربي ولا يطوف من وراء الحِجر يعتبر قد نقص طوافه؛ وذلك لأنه ما طاف بالبيت كله، فإن في الحِجر سبعة أذرع أو نحوها من البيت فالطواف لا بد أن يكون من وراء الحِجر كله.
من الخطأ أيضا المزاحمة عند الركن اليماني .
كذلك أيضا من الخطأ تقبيل الركن اليماني وإن كان ذلك قد روي عن بعض السلف، التقبيل إنما هو للحجر، فأما الركن اليماني فإن الأصل فيه أن يُستلم، واستلامه أن يضع عليه يده اليمنى ويمسه ولا يقبلها، ولا يزاحم عليه أيضا كما لا يزاحم عند الحجر، ورد أن استلامهما يحط الخطايا، كما جاء ذلك في حديث: إن استلام الركنين يحط الخطايا ولكن يحصل الاستلام بالإشارة إليه.
من الخطأ أيضا الإشارة إلى الركن اليماني إذا لم يقدر أن يستلمه. الجمهور على أنه لا يشار إليه إن قدر على أن يستلمه بيده وإلا فليمض ولا يزاحم ولا يشير إليه. هذه أخطاء تقع من كثير من الجمهور.
هناك أيضا أخطاء ولكنها لا تقع -إن شاء الله- من أهل العقيدة، وإنما تقع من بعض الجهلة الغربيين ونحوهم، أو من الوثنيين ونحوهم؛ وذلك مثل:
التمسح بجدار الحِجر كثير منهم تراهم إذا مروا بالحِجر يمسحه بيديه، ثم يمسح بهما وجهه وصدره، أو يلصق بطنه وصدره بجدار الحِجْر وما أشبه ذلك.
وكذلك أيضا التمسح بكسوة البيت يعتقدون أنها فيها شفاء وفيها بركة.
وهكذا أيضا التمسح بالزجاج الذي على مقام إبراهيم تجدهم يزاحمون عليه ويمسحونه بأيديهم أو يلصقون به خدودهم، أو يمسحونه بصدورهم أو نحو ذلك، مع أنه زجاج صنع حديثا، وليس هو المقام المقام حَجَر في وسط ذلك المكان، فلا يجوز التمسح بهذا الزجاج، ولا التمسح بباب الكعبة ولا التمسح بحيطانها؛ فكل ذلك من الوسائل الذي فيها تعظيم لغير من يستحق التعظيم.
كذلك أيضا يقع في الطواف بعض الأخطاء، من ذلك أن كثيرا من الناس يغفلون عن الرَّمَل في أول طواف، والرَّمَل سنة. يغفلون عن ذلك ولا ينتبهون له، ولا شك أنهم معذورون؛ لأنه سنة وليس من الواجبات.
وكذلك أيضا يغفلون عن الاضطباع في أول طواف، وبعضهم يضطبع دائما، فيضطبع في الطواف ويضطبع في السعي ويضطبع من حين يحرم؛ يعني: يظهر كتفه الأيمن، ويجعل الرداء تحت إبطه الأيمن، وهذا الاضطباع إنما يكون في طواف القدوم، والرمَل إنما يكون في ثلاثة أشواط من طواف القدوم، وأما بقية الأطوفة وبقية حالات المحرم فلا رمَل فيها ولا اضطباع.
كذلك أيضا من الأخطاء: التقيد بأدعية محددة بأن يعتقد أن لكل شوط دعاء يخصه، فيرى أنه لا يجزئ الشوط إلا بذلك الدعاء، ويجدون ذلك مكتوبا في بعض الدفاتر التي يكتبون فيها دعاء الشوط الأول، دعاء الشوط الثاني، دعاء الشوط الثالث إلى آخرها، وكذلك دعاء الملتَزَم ودعاء المقام ودعاء الحِجْر وما أشبهها وهذه الأدعية لا بأس بها، ولكن الذين يرون أنه لا يصح الطواف إلا بهذا الدعاء في هذا الشوط يعتبرون قد أخطأوا؛ بل أية دعاء تدعو به فإنه جائز.
وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم - كان يكثر من الدعاء في طوافه ولم يحدد للناس دعاء محددا؛ فيدعو الطائف بما تيسر، إن تيسر له حفظ بعض الأدعية دعا بها وإلا ذكر الله تعالى بسبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر وما أشبه ذلك.
من الأخطاء أيضا: أن بعضهم إذا لم يعرف شيئا من الأدعية والأذكار يستأجر من يلقنه، وهؤلاء الملقنون نفعيون؛ إنما يريدون بذلك أن يحصلوا على هذه الأجرة، فتجدهم يقطعون الأدعية ويقطعون الكلمات، ويخطئون أيضا في التلفظ بكثير من الكلمات التي تغير المعنى، ويريدون بذلك أن يحصلوا على عوض من هذا الذي يلقنونه ويطوف وراءهم.
فنقول: لا حاجة إلى أن تأتي بمن يلقنك هذا الدعاء الذي يسمي نفسه مطوفا أو مدعيا، وإنما إذا عرفت شيئا من الذكر والدعاء فأت به، وإلا فلو تردد كلمتي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى آخره أو محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اللهم صلّ وسلم على محمد أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أو ما أشبه ذلك، فكل ذلك جائز لا إثم فيه.
يأتي الإنسان بما يقدر عليه من الأدعية ويكون بذلك قد أتى بالمطلوب، وإذا لم يحفظ شيئا قرأ ما تيسر من القرآن ولو فاتحة الكتاب وسورتي: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وما أشبه ذلك من السور فقراءتها تكفي سواء في الطواف أو في السعي.
كذلك أيضا معروف أنه بعد الطواف يبدأ في السعي بعدما يصلي ركعتين. من السنة أنه إذا صلى ركعتين يرجع إلى الحَجَر فيستلمه إن تيسر أو يشير إليه، وهذه سنة قد أميتت، لا تكاد تجد من يرجع إلى استلام الحجر، إن تيسر أنك ترجع إليه وتستلمه وإلا تقرب منه وتشير إليه ثم تخرج إلى الصفا .
الطواف بالصفا والمروة هذا يعتبر عندنا ركنا من أركان الحج، لا بد أنه يأتي به، وقد عرفنا أنه إذا كان ركنا فلا بد أن يأتي به كما أُمر، فمن السنة فيه أن يرمل أو يسعى بين العلمين الأخضرين الكثير من الناس لا يهتمون بذلك، وكثير منهم يسعون.
من الخطأ أن النساء يسعين، والنساء لا رمل عليهن ولا سعي عليهن، وذلك لأنه يؤدي إلى بدو بعض أقدامهن وسوقهن، والمرأة لا يجوز لها عند الرجال أن تبدي شيئا من جسدها فلا رمل عليها.
من الأخطاء: ما نسمعه أن بعض الناس لا يقنع حتى يرقى على الحجارة التي هي حجارة الصفا وكذلك المروة ولا بد أن يتمسح بتلك الحجارة وأن يتبرك بمسها وبلمسها، وهذا أيضا من الخطأ، إذا صعد على الصفا وعرف بأنه ركع على أدنى الصفا كفى، وكذلك المروة فأما اعتقاد أنه لا بد أن يصل إلى تلك الحجارة ويمسها فهذا أيضا من الخطأ.
من الخطأ: إذا أراد أن يتحلل أن يقتصر على بعض شعيرات يأخذها؛ فإن الله تعالى قال: مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ فلا بد للحلق أن يعم رأسه، وكذلك لا بد في التقصير أن يعم رأسه أن يأخذ من جميع شعره وإن لم يكن من كل شعرة شعرة، ولكن يحرص على أن يحيط بجوانب رأسه ويأخذ منه كله.
هذه أخطاء تقع في المعتمر، وتقع أيضا في الحج، وأما الأخطاء التي تختص بالحج فهي أيضا كثيرة، ولعل لها مكانا آخر نظرا إلى الاشتغال بالأسئلة.
نتوقف هنا، ونسأل الله أن يبلغنا مرامنا ومقصدنا من أداء مناسك الحج، وأن يعيننا على أدائها كما ينبغي، ونسأله سبحانه أن يمن علينا بالهداية، وأن يبصرنا في ديننا، وأن يهدينا سواء السبيل ويجيرنا، وألا يزيغ قلوبنا، وأن يعيذنا من الشيطان الرجيم، وأن يصلح أئمتنا وولاة أمورنا إنه على كل شيء قدير. والله أعلم .
أسئـلة
جزى الله فضيلة الشيخ، وجزاه عنا أحسن الجزاء وجعل ما قدمه في ميزان حسناته يوم يلقى الله.
حقيقة كما ترون الأسئلة كثيرة جدا، وحرصا على وقت الشيخ وحتى لا نطيل على الإخوة كثير من الأسئلة أجيب عليها من خلال كلام فضيلته، وأيضا هناك أسئلة لا تتعلق بموضوع الحج، وسنحرص على إتاحة الفرصة للأسئلة المتعلقة بالحج، وبقية الأسئلة لعلها يكون لها وقت آخر بإذن الله، ثم كثير من الأسئلة تدور حول موضوع واحد؛ ولذلك سأختار في البداية الأسئلة التي تدور حول موضوع واحد، وأولها: هذا السائل يقول: فضيلة الشيخ حفظه الله -وجل الأسئلة صدّرت بعبارة: إني أحبك في الله- .
س: ويقول السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تناقل الناس أمرا عن فضيلتكم، وهو أنه عند وفاة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- ذهبتم إلى مكة وتجاوزتم الميقات بدون إحرام، ثم أحرمتم فيما بعد، وأديتم مناسك العمرة بالمخيط، ثم ذبحتم الدم بالمحظورين السابقين، فما صحة ذلك؟ وهل هذا يجوز؟ وفقكم الله وأرضاكم.
لم نتجاوز الميقات؛ وإنما أحرمنا ونحن في الطائرة لما حاذينا الميقات والإحرام بالنية، ولم يتسير معنا لباس المحرِم الذي هو الإزار والرداء فأحرمنا في لباسنا، ودفعنا فديتين: فدية عن تغطية الرأس، وفدية عن لباس المخيط.
س: أحسن الله إليكم. ومجموعة من الأسئلة تدور حول الطهارة في الطواف هل هي شرط له؟ وإذا انتقضت طهارة الحاجّ أو المعتمر في الشوط الأخير، وخصوصا في طواف الإفاضة فماذا عليه؟ أفتونا أثابكم الله .
الطواف ورد أنه صلاة، وإذا كان كذلك فإن الصلاة لا تصح إلا بالطهارة؛ طهارة من الحدث وطهارة من الخبث، فلا بد أن الطائف يصير متطهرا، إذا انتقض وضوؤه وهو في الطواف ولو في الشوط الأخير فعليه أن يذهب ويجدد الوضوء ثم يكمل طوافه. والصحيح أنه إذا انتقض وضوؤه في أثناء الشوط لا يعتد بذلك الشوط، ويعتد بما قبله، فإذا طاف ثلاثة أشواط ونصف وانتقض وضوؤه ذهب وتوضأ سريعا وأتى بأربعة أشواط لا يعد ذلك النصف، سواء كان طواف إفاضة أو طواف وداع أو طواف عمرة.
س: أحسن الله إليكم. وهذه مجموعة من الأسئلة أيضا تدور حول موضوع الاشتراط، لمن يكون؟ وهل ينفع الحائض أن تشترط ؟
لمن يخاف أن يحول دونه حائل، أو يعوقه عائق كمريض يخشى أنه لا يتمكن من إتمام النسك، وكذلك أيضا من يكون منشغلا وله شغل يخشى أنه يفوت؛ كما لو خشي أن تفوته رحلة أو نحو ذلك ويتضرر بفواتها، أو يخشى من ذهاب نفقة؛ فله أن يقول: إن حبسني حابس؛ يعني منعني مانع فمحلي حيث حبستني. ويمكن أيضا أن يخاف من الحوادث حوادث الاصطدام والانقلاب، كأن كانت السيارة ليست جديدة، وخاف من تعطل أو نحو ذلك فله أن يشترط.
وأما المرأة فإذا خشيت أن تحبس قومها إذا حاضت فإنها تشترط، إذا أحرمت وهي طاهر وعلمت بأنها ستأتيها العادة بعد ساعات، أو قبل أن تكمل عمرتها، وقبل الطواف اشترطت: أن محلي حيث حبستني، فإذا جاءتها العادة فلها أن تلغي إحرامها وتخرج مع أهلها .

س: أحسن الله إليكم ونفع الله بكم. وهذه أيضا مجموعة من الأسئلة يسأل أصحابها عن الصابون المعطر، واستخدام الزعفران وغير ذلك أثابكم الله.
نرى أنه أن المحرم لا يتطيب وأن الصابون الممسك فيه طيب، كما يذكرون ويسمونه ممسكا وإن كان الماء قد يذهبه، لكن إذا وَجَدَ غيره مما لا طيب فيه كالـ تايد ونحوه يغسل به يديه بعد الأكل، فإن لم يجد إلا هذا الممسك غسل به وأزاله بسرعة.

س: أثابكم الله، وهذا سائل يقول: ما حكم رمي الجمرات الثلاثة في اليوم الثاني عشر والثالث عشر عن اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر جميعا؟
يجوز ذلك للعذر قياسا على الرعاة الذين يذهبون يرعون الرواحل؛ فإنه كان هناك الناس يحجون على الإبل، فيرسلون إبلهم مع الراعي، وهذا الراعي يشق عليه أن يأتي كل يوم لأجل الرمي فيجمع رمي يومين أو ثلاثة أيام، فيقدم مثلا في اليوم الثاني عشر فيرمي ثلاث الجمرات عن اليوم الحادي عشر، يرمي الأولى بسبع عن الحادي عشر، ثم الوسطى، ثم الكبرى، ثم يرجع فيرمي عن اليوم الثاني عشر بسبع وسبع وسبع.
فإذا كان الإنسان يخشى من الزحام، ويشق عليه أن يرمي كل يوم، أو المرأة مثلا يشق عليها الرمي يوميا فلها أن تؤخره إلى اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر ويرميه مرتبا.
س: أحسن الله إليكم، وهذا سائل يقول: فضيلة الشيخ والله إني أحبك في الله، وأسأل الله أن يعيننا وإياك على طاعته. والسؤال هو: هل المعتبر في ذهاب الضعفة والنساء من مزدلفة ليلا إلى منى هو غياب القمر، أم ذهاب نصف الليل؟ وجزاكم الله خيرا .
أحبكم الله جميعا وأحبنا جميعا، ورزقنا الحب فيه وحب من يحبه. ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- رخص للظعن الضعفة من أهله، منهم سودة وأم سلمة رخص لهن، ولم يرخص لأكثرهن كعائشة وحفصة وجويرية ؛ وإنما رخص لمن هي كبيرة تخشى حقمة الناس، وكانت رخصته بآخر الليل، لكن بعض العلماء قال: إن آخر الليل يبدأ من النصف الأول إذا انتصف الليل.
ثم نقول: إن من الأخطاء في هذه الليلة؛ ليلة مزدلفة انصراف كثير من الناس من أول الليل، أو من نصف الليل بحيث إن الحافلة يكون معهم عشر من النسوة فينصرفون كلهم لأجل هؤلاء النسوة؛ لأن الناس كلهم ينصرفون، ينصرف مثلا مئات الألوف في آخر الليل أو في وسط الليل، وإذا جئتم إلى المرمى وجدتم الزحام على أشده فلا تتمكنون من الرمي، يفوتكم المبيت بمزدلفة الذي هو من الواجبات ولا ينفعكم تعجلكم ولا تقدرون على الرمي للزحام، فعلى هذا نشير على من معه محارم أن يبقى في مزدلفة إلى الصباح وأن ينصرف بعد الصباح كما ينصرف الناس قبل طلوع الشمس . أي بعد الإسفار، وإذا تيسر لهم الرمي في الضحى في الساعة التاسعة، أو العاشرة أو حتى في آخر النهار في الساعة الرابعة أو الخامسة أو السادسة في إمكانهم أن يدركوا ساعة في ذلك اليوم، وحتى لو لم يتيسر إلا في الليل ولو في الساعة الثامنة أو العاشرة أفضل من كونهم يتعجلون، ولا ينفعهم التعجل .
س: عفا الله عنكم، وهذا سائل يقول: شخص أعطي مبلغا ليحج به ولم يُشترط عليه استنفاذ المبلغ كله؛ بل ترك له حق الاختيار بعد أن يؤدي الحجة عن غيره، فإذا أدى مناسك الحج كاملة وزادت النفقة فهل له التصرف فيما زاد؟ أثابكم الله.
نرى أن عليه أن يرده إلى أهله إلى أهل ذلك المال إلا إذا سمحوا، فإن قال: بقي معي ألف، فهل تأخذونه أو تسمحون به؟ فإذا سمحوا فهو له، وأما إذا اشترط وقال: لا يكفيني خمسة آلاف أريد ستة، فلان يعطي ستة وسبعة وخمسة، فنرى أن هذا لا يجوز؛ لأن هذا يدل على أنه ما حج إلا لأجل الدنيا، ننصح الإنسان الذي يريد أن يحج عن غيره أن يكون قصده الحج لا يكون قصده المال؛ فيكون قد باع أعماله الصالحة بعرض من الدنيا.
س: أثابكم الله. وهنا عدة أسئلة تدور حول الملتزم هل ورد فيه حديث صحيح؟ وهل فعله أحد من الصحابة؟ أثابكم الله .
الملتزم ورد فيه حديث مشهور، وتناقله العلماء بأسانيدهم، وأنه تستجاب فيه الدعوة، وآخر من سمعناه شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم ذكر أنه يقول: وأنا دعوت فيه فاستجيب لي، دعوة دينية رأيت أثرها ظاهرا، ذكر أيضا أنه تلقى هذا الحديث عن جده الشيخ عبد اللطيف الذي يقول أيضا: دعوت فيه فاستجيب لي، وعبد اللطيف رواه أيضا عن شيخه والده عبد الرحمن بن حسن وهو يقول أيضا: دعوت فيه فاستجيب لي، وعبد الرحمن يقول: حدثني به الشيخ محمد بن عبد الوهاب وهو أيضا يقول: دعوت فيه فاستجيب لي، وكل من المحدثين إلى الصحابي يقول: أنا دعوت فيه فاستجيب لي؛ فيدل على أنه محل استجابة، ويمكن أن ذلك خاص بمن ينقلون هذا الحديث عن مشائخهم بالإسناد؛ وإن كان آخر الإسناد فيه ضعف، ولكن التجربة هذه تدل ظاهرا على أنه من مظنة الإجابة.
يلتزمه؛ يعني يصعد على الشاذروان ويلصق صدره بذلك المكان وهو الذي بين الباب وبين الحجر الأسود ويلصق أيضا يديه ويدعو.

س: أحسن الله إليكم. فضيلة الشيخ، وهنا مجموعة من الأسئلة أيضا تدور حول قضية محظورات الإحرام، وهل يؤاخذ من وقع في شيء منها جاهلا أو ناسيا وتلزمه فدية؟ أفتونا أثابكم الله .
محظورات الإحرام معروف أنها تسعة، فمنها ما لا يؤاخذ به الناسي، فمن لبس مخيطا ناسيا أو جاهلا أو غطى رأسه ناسيا أو جاهلا فلا شيء عليه، وإن كان متعمدا فعليه فدية: صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين عن كل واحد، أو ذبح شاة.
ومنها قص الشعر وتقليم الأظفار، ذهب بعض العلماء إلى أن من قص أو قلم فإن عليه فدية ولو كان ناسيا، وعللوا بأن هذا إتلاف؛ والإتلاف يستوي فيه العمد والنسيان.
والقول الثاني: أنه يعفى فيه عن الناسي فمن قص شيئا من شعره أو قلم أو تطيب ناسيا فالأقرب أنه لا شيء عليه.
ومن المحظورات أيضا: قتل الصيد، ذكر الله تعالى أن فيه الفدية عمدا، قال تعالى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ والصحيح أنه إذا لم يتعمد قتله فإنه لا حرج عليه، وما روي من أن عمر -رضي الله عنه- أخرج فدية حمامة؛ حمامة كانت واقعة على وتد، فأراد أن ينشف رداءه على ذلك الوتد فطارت، ولما طارت الحمامة وقعت في مكان فافترسها الهرّ، فقال عمر أنا الذي أطرتها من مأمنها فعليّ فديتها، وهذا من باب التورع؛ فالصحيح أنه إذا لم يكن متعمدا فلا.
وأما بالنسبة إلى عقد النكاح فإنه لا فدية فيه ولكنه لا ينعقد؛ بل يكون غير منعقد، إذا عقد وهو محرم أو عقد للمرأة وهي محرمة فيلغو ذلك العقد.
وأما بالنسبة للمباشرة فالصحيح أنه عادة لا يكون فيه نسيان، فلو مثلا قبل امرأته فعليه فدية أو باشرها، وكذلك يقال في الجماع إذا جامع وادعى أنه ناسٍ فلا يصدق؛ وذلك لأن الإحرام مشهور فلا يمكن أن يقع منه النسيان زمن الوقاع فعليه الفدية.

س: عفا الله عنكم، وهذا يقول فضيلة الشيخ، أحسن الله إليك. جاء في السنة أن من أراد أن يضحي لا يأخذ من شعره ولا من ظفره شيء، فهل ينطبق ذلك على الحاج أم لا؟
ينطبق إذا كان قد أوصى أن يضحي أهله عنه فإنه لا يأخذ من شعره في العشر كلها؛ إلا إذا كان متمتعا وانتهى من عمرته في اليوم السابع مثلا أو اليوم السادس فإنه يقصر من شعره؛ وذلك لأن التقصير يعتبر نسكا وعبادة، وأما عند الميقات فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره.

س: وهذا سائل يسأل عن قضية الدَّيْن، وما ضابط الدَّيْن الذي يمنع به من الحج ؟ أثابكم الله.
هو الذي يمنع أهله صاحبه من الأسفار، فإذا كان عليك دين يمنعك أهله من السفر إلى الأحساء يمنعونك من السفر إلى القصيم يمنعونك من السفر مثلا إلى الأفلاج فإنهم سوف يمنعونك من السفر إلى مكة ؛ فإذا كانوا لا يمنعوك من الأسفار، لا يقولون: لا تسافر إلى الأحساء أعطنا أجرتك لا تسافر إلى القصيم أعطنا أجرتك، إذا كانوا لا يمنعونك فإن شاء الله أنهم لا يمنعونك من السفر إلى مكة .

س: أحسن الله إليكم، وهذا يسأل يقول: ما حكم الرمي عن زوجتي -وهي قادرة على الرمي- ولكن الخوف من الزحام دفعني إلى ذلك خصوصا وأنا متعجل؟ أثابكم الله .
نرى أنه جائز في اليوم الثاني عشر إذا كنت سوف تتعجل، وأما في اليوم الحادي عشر ويوم العيد فنرى أنك تمكنها من الرمي؛ لأن الرمي وقته واسع ترمي في الليل يوم العيد، لو رمت مثلا بعد العصر وجدت سعة أو رمت في الليل ولو في الساعة الثامنة أو التاسعة، وكذلك في اليوم الحادي عشر، دعها ترمي في الليل ولو في الساعة الثانية عشرة فهو أفضل من أنها توكّل.

س: أحسن الله إليكم، وهذا يقول: لي أخ مقعد ولا يستطيع الحركة ونوى الإحرام هذه السنة في رمضان، وقام أهله بفسخ الإحرام وهو لم يشترط، ثم لما رأوا الزحام قاموا بإلباسه الثياب، وخلعوا الإحرام ولم يعرفوا ماذا يلزمه، وأثابكم الله ؟
إذا لم يشترط، ولم يشترط الذين ألبسوه فنرى أنه باق على إحرامه، وأن لباسهم له يعتبر خطأ، وكذلك تقليمهم لأظفاره وقصهم لشعره يعتبر خطأ؛ فعليهم أن يعودوا به حتى يكمل إحرامه وعليهم فدية عن كل محظور فعله.
يمكن أن المحظورات خمسة: لباس المخيط فيه فدية، تغطية الرأس فيه فدية، الطيب فيه فدية، تقليم الأظفار فيه فدية، قص الشعر فيه فدية. كل فدية فيها إما صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة.
فنقول له: إن كان قادرا على الصيام يصوم خمسة عشر يوما، وإن لم يكن قادرا، أو اختار الإطعام يطعم مثلا ثلاثين مسكينا نحو خمسة عشر صاعا، أو يذبح عنه خمسا من الغنم.

س: أثابكم الله، وهذه سائلة تقول: إن هناك بعض النساء تلبس ثوبا أسود في الإحرام، يكون ساترا وواسعا، ثم تلبس فوقه نصف عباءة سوداء على الرأس وتغطي وجهها، وتستره كاملا بستر أسود، وكل ذلك وهي محرمة، ولكنها لا ترتدي عباءة كاملة للجسم؛ زعما أن هذا أسهل في حركتها، فما رأيكم في ذلك؟
نرى أن هذا من الخطأ، عليها أن تلبس لباسها المعتاد، تلبس العباءة الوافية التي تستر قدميها، وعند الطواف أو عند السعي لا تشتد في السعي؛ بل تمشي رويدا حتى لا تتعثر في هذه العباءة، وعليها أنها لا تلبس على وجهها النقاب الذي هو البرقع، ولكن تستره بالخمار تستر وجهها ورأسها بالخمار إذا كانت عند الرجال الأجانب.
وأما اعتقادها أنه لا بد أن يكون اللباس أسود: القميص أسود والعباءة أسود والخمار أسود فهذا ليس بصحيح؛ بل لباسها المعتاد أسود أو أحمر أو أخضر أو ما أشبهه .
س: أحسن الله إليكم، وتسأل أيضا عن حكم لبس الجوارب للمرأة المحرمة لستر قدميها ؟
يجوز لبس الجوارب لستر القدمين، والذي لا يجوز هو لبس القفازين في اليدين، شراب اليدين هذا لا يجوز للمرأة.
س: أثابكم الله، سؤال يقول: هل يجب على الحاج المتمتع البقاء في مكة بعد تحلله من العمرة في أشهر الحج أو قبل أيام الحج بيوم أو يومين، أم يمكن له الذهاب إلى جدة مثلا ثم يحرم بالحج من هناك في اليوم الثامن ؟
الأصل أنهم يبقون في مكة لكن إذا بدا له شغل أو زيارة أو نحو ذلك فلا مانع من أن يذهب هناك ويحرم هناك.
س: أحسن الله إليكم، هذا سؤال يقول: إذا دخلت المرأة مكة للحج في اليوم السابع وهي متمتعة، ثم حاضت قبل الطواف للعمرة، فهل لها أن تغير نيتها بأن تكون قارنة الحج بالعمرة ؟
نعم، وهكذا فعلت عائشة -رضي الله عنها- فإنها كانت أحرمت متمتعة بالعمرة، ولما حاضت ترقبت أنها تطهر قبل يوم عرفة ولم تطهر، جاءها يوم عرفة وهي لا تزال حائضا؛ فأدخلت الحج على العمرة وأصبحت قارنة، قالت: اللهم إني أحرمت بحجة مع عمرتي، وطهرتْ يوم العيد وطافت، فهكذا من أحرمت متمتعة ولم تتمكن من العمرة فإنها تحرم بالحج مع عمرتها.

س: أثابكم الله، ثم تقول: وهل لها أن تسعى مع رفقتها، وتؤجل طواف الحج مع طواف الوداع؛ حتى لا تؤخرهم؟
الصحيح أنها تعمل كما يعمل القارن، بمعنى أنها تدخل الحج على العمرة إذا حاضت، وأما التعجل فإذا تعجلوا، وكانت قد طهرت فإنها تطوف معهم إذا تعجلوا في اليوم الثاني عشر، وأما تقديم السعي فنرى أنه لا يجوز، ليس لها أن تقدم السعي على الطواف.
س: عفا الله عنكم، وهذا سائل يقول: إذا حصل للحاج ظرف طارئ يوم العيد، ولم يتمكن من الرمي، فما هو الأفضل في حقه: التوكيل للرمي، أو تأجيل الرمي بحيث يرميها في الأيام التالية من أيام التشريق؟
له أنه يؤخر الرمي إلى اليوم الحادي عشر رمي جمرة العقبة، ولكن معلوم أنه لا يتحلل، لا يلبس إلا إذا رمى وحلق، أو حلق وطاف، أو طاف ورمى؛ يعني فعل اثنين من هذه الثلاثة. نعم.
س: أثابكم الله، وأيضا يسأل ويقول: فضيلة الشيخ، إذا كان التكبير المطلق مشروعا في كل الأوقات في عشر ذي الحجة. فهل يعني هذا أنه يقتصر على أدبار الصلوات في التكبير المقيد؟ أثابكم الله .
نعم، التكبير المقيد الذي في يوم العيد وأيام التشريق يقتصر على ما بعد الصلوات، كلما صلوا صلاة مكتوبة في جماعة كبروا، ولكن لا مانع من أن يكبروا لمناسبةٍ تكبيرا مطلقا.

س: أحسن الله إليكم، وهذه سائلة تقول: إن والدتها حجت مرة واحدة، وتشك في إتمامها لتلك الحجة؛ لأنها أمية وذلك قبل ثلاثين عاما تقريبا، وأن وليها لم يأذن لها بالرمي؛ بل وكلته في ذلك، وترغب في الحج ولكنها تخاف على نفسها؛ لأن بها عدة عمليات، ما حكم حجتها تلك؟ وهل عليها الإعادة ؟
لا بأس بذلك، أجزأت حجتها حيث إنها أكملتها ظاهرا وإن كانت لم تباشر الرمي لعذر الزحام، إن تمكنت أن تحج هذه السنة فلها أجر، ولو أن يطاف بها محمولة على سرير، ويسعى بها على عربة، بقية المناسك تفعلها، والرمي توكل فيه فلها، لا مشقة في ذلك.
س: أحسن الله إليكم، وهذا سائل يقول: رجل من الرياض ذهب عن طريق المدينة وأقلعت الطائرة من المدينة ولما وصلت جدة تذكر أنه تجاوز الميقات، فهل يرجع إلى ميقات المدينة أم يكفيه ميقات السيل ؟
يكفيه أقرب ميقات، إن ذهب إلى ميقات أهل نجد أحرم منه، أو إلى ميقات أهل اليمن أحرم منه، أو رجع إلى ميقات أهل الشام الذي هو رابغ يكفيه عنها.

س: أحسن الله إليكم، وهذا سائل يقول: لو أحرم المسلم قبل الميقات ثم ركب سيارته وتعدى الميقات خطأ فعاد إلى الميقات مرة أخرى وأحرم بالعمرة ثم رجع إلى مكة هل يلزمه شيء؟
إذا أحرم من قبل الميقات فلا حاجة إلى أن يرجع، فلو مثلا أحرم وهو في الطائف ثم مر على الميقات الذي هو السيل وهو ومحرم، ثم تجاوزه فلا حاجة إلى أن يرجع إلى الميقات مرة أخرى؛ لأنه قد أحرم قبله، مر عليه وهو محرم .
س: أحسن الله إليكم، وهذا سائل يقول: فضيلة الشيخ، هل يجوز للعسكري الذي يذهب للعمل في مكة أن يحج إذا كان ذاهبا للعمل في الأصل، ولكن عمله قد سمح له ومن أين يحرم؟ أثابكم الله .
يفضل أنه يحرم بعمرة؛ فإن العمرة ما تستغرق وقتا طويلا، فإذا كان مثلا قد ذهب في آخر شهر ذي القعدة إن تيسر أنه يدخل في عمرة وينتهي منها فهو أفضل، وإن لم يتيسر فإذا كان عنده يوم فراغ، أو ليلة فراغ ذهب إلى السيل وأحرم ودخل مكة وأنهى عمرته ويبقى، يصح له أن يحج إذا كان سوف يقف في المشاعر، يصح له أن يحرم بالحج ولو بلباسه ولو عليه لباسه العسكري؛ فإنه قد يبقى بلباسه كالذين يدبرون السير أو نحوه؛ رؤساؤهم لا يمنعونهم من النية، ولا يقولون لهم: لا تقل لبيك لبيك، إنما يقولون: ابق على لباسك؛ يعني على لباس الرأس ولباس الجسد، فله والحال هذه أن يحرم بالحج مع الناس ويقف معهم ولو كان يشتغل في عرفة وينصرف معهم ويبقى في مزدلفة إلى آخر الليل أو إلى الصباح ولو كان يشتغل، ويبقى أيضا معهم في مزدلفة وفي منى .
ويفعل المناسك وقت ارتياحه ووقت انتهاء وقت عمله ووقت راحته، الرمي يتحين له وقت فرصة، ويذهب ثم يرمي ويحلق، وإذا هو قد تحلل، والرمي بقية الأيام يرميه في وقت فراغه، والطواف والسعي له أن يؤخره ولو يومين ولو خمسة أيام ولو لم يسع إلا بعد النصف أو في النصف الأخير يصح له ذلك.

س: أثابكم الله، وهذا يقول: فضيلة الشيخ، بينوا لنا الفرق بين نسك المتمتع ونسك القارن مع أن كلا منهما يأتي بعمرة؟ أثابكم الله .
كلاهما يسمى متمتع، كلمة التمتع هي: الانتفاع، المتمتع هو: المنتفع، لماذا سمي متمتعا؟ لأنه انتفع، ما هو انتفاعه ؟ سقوط أحد السفرين؛ وذلك لأنهم كانوا يسافرون سفرين: سفرا مستقلا للعمرة، وسفرا مستقلا للحج، وهذا هو السر في أن عمر -رضي الله عنه- منعهم من العمرة مع الحج؛ حتى يعتمروا عمرة مستقلة بسفر مستقل؛ يعني اختيارا منه واجتهادا.
فأما إذا أتى بالعمرة ثم بالحجة في سفر واحد فقد سقط عنه أحد السفرين؛ فيكون عليه دمٌ جبرا لهذا النقص، وهو كونه لم يسافر إلا سفرا واحدا.
كذلك القارن إذا أحرم بهما عن مع الواحد. أحرم بالحج والعمرة في إحرام واحد، دخل أحدهما في الآخر، فإنه والحال هذه يكون متمتعا؛ حيث أحرم بهما جميعا. أي كأنه منتفع، نسميه قارنا ونسميه منتفعا ونسميه متمتعا؛ لأنه سقط عنه أحد السفرين، لبيك عمرة وحجا، أحرم بهما في سفر واحد وفي عمل واحد؛ فعليه فدية كما على المتمتع.
س: أحسن الله إليكم. وهذا يقول: فضيلة الشيخ، طفنا طواف الإفاضة، وعندما بدأنا الطواف في الشوط الأول أكملناه وكان الزحام شديدا فصعدنا إلى الدور الثاني، فأكملنا طوافنا هناك، ثم لم نستطع إكمال الطواف لكثرة الزحام؛ فصعدنا إلى السطح وأكملنا الأشواط المتبقية في السطح، فهل طوافنا بهذه الصورة صحيح، أم علينا الإعادة ؟
صحيح وأنتم معذورون، كان الأولى أنكم صبرتم على الزحام في الصحن، ولكن حيث لقيتم مشقة وصعدتم إلى الدور الثاني وطفتم فيه أيضا شوطا أو شوطين، ولم تتمكنوا إكماله فصعدتم أيضا إلى السطح الأعلى فكل ذلك معذورون فيه.

س: وهذا يقول: فضيلة الشيخ، سأقوم -إن شاء الله- بالحج مع مسلمين جدد، لا يتحدثون اللغة العربية، فهل يمكن أن أقول بعض الأدعية وهم يرددون خلفي وألقنهم إياها؟ أم ماذا أفعل؟ أفيدونا جزاكم الله .
لا بأس بذلك، ولكن تأكد أن معك من يترجم لهم هذه الأدعية؛ حتى يدعوا بها وهم يعرفون معناها، ولك أن تلقنهم ولو كانوا لا يعرفون معناها.
س: وهذا يقول: فضيلة الشيخ أحسن الله إليكم، قصر الصلاة في منى هل هو من أجل النسك، أم من أجل السفر؟ وهل يجوز الجمع بين الصلوات فيها؟
الصحيح أنه من أجل السفر؛ فإن الحجاج يعتبرون مسافرين حيث إنهم لم يستقروا في بلد؛ إنما هم في خيام مؤقتة، وأما الجمع فلا يجوز؛ لأن الجمع يختص بالسائر وهؤلاء مقيمون.

س: عفا الله عنكم، وهذا يقول: فضيلة الشيخ، اعتمرت في أشهر الحج، ثم بعد ذلك سنحت لي الفرصة بأن أحج من عام، فهل يلزمني التمتع، أم لي أن أختار النسك الذي أريد؟ أثابكم الله .
عرفت أن التمتع هو الانتفاع، فإذا رجعت بعد العمرة ما حصل لك الانتفاع؛ لأنك ما سافرت سفرا واحد، بل سافرت سفرين سفرا مستقلا للعمرة وسفرا مستقلا للحج؛ فلا تكون منتفعا، فإذا اخترت بعد ذلك أن تعتمر عمرة ثانية صرت متمتعا، تحج بعدها، وأما إذا اخترت الإفراد فإنه يسقط عنك دم التمتع؛ لأنك ما انتفعت حيث سافرت سفرين مستقلين سفرا للحج وسفرا للعمرة.

س: عفا الله عنكم، هذا يقول: فضيلة الشيخ، حججت مع أصحابي منذ أعوام وكلنا محرمون فطفنا طواف القدوم وسعينا سعي الحج، وكنت أعتقد أن هذا السعي سنة مثل طواف القدوم، ونويت أنه سنة ثم أخبرني أصحابي أنه سعي الحج، ولم أعد هذا السعي؛ إنما وقع مني على نية أنه تطوع جهلا مني، فهل يلزمني الإعادة أم لا، أفتونا أثابكم الله؟
لا يلزمك الإعادة؛ لأن السعي ما يتطوع به، ليس مثل الطواف الذي يتطوع به، فلا حرج عليك بأن تعتدّ بذلك السعي.

س: أثابكم الله، وهذا يقول: فضيلة الشيخ، أحرمت بعمرة ولما انتهيت نسيت أن أقصر شعر رأسي ولبست ثيابي، ثم تذكرت بعدها بنصف ساعة، فتوجهت إلى أقرب مكان يمكن لي أن أخلع ثيابي فيه وألبس ثياب الإحرام، ثم قصرت شعري ولبست ثيابي، فهل علي شيء؟
لا حرج عليك أنت معذور بالنسيان.

س: أحسن الله إليكم، وهذا يقول: فضيلة الشيخ، في هذه البلاد توجد بنوك تتكفل بذبح الهدي عنهم مقابل المال، ولكن هل أتحلل من الإحرام وأنا لا أدري هل نحر الهدي الذي لي في يوم النحر، أو في ثانيه ؟ بينوا لنا، جزاكم الله خيرا.
إذا رميت وحلقت فلك أن تتحلل؛ فإن الذبح ليس من أسباب التحلل، إنما إذا رميت وحلقت، أو رميت وطفت، أو طفت وحلقت فقد فعلت اثنين من الثلاثة، النحر ليس من أسباب التحلل.

س: أثابكم الله، وهذا يقول: هل ورد في شرب ماء زمزم شيء يثبت، ومتى يقال هذا الدعاء؟ وما المقصود بالتضلع؟
ورد فيه أحاديث منها قصة أبي ذر لما أنه بقي سبعة أيام وهو لا يتغذى إلا بماء زمزم فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- إنها طعام طعم، وشفاء سقم وجاء فيها حديث: أن ماء زمزم لما شرب له وجاء أنه يدعو عند شربه فيقول: اللهم اجعله شفاء من كل داء، يقوله عند شربه فيدعو بذلك عند الشرب أو بعد الشرب.

س: أثابكم الله، وهذا سائل يقول: من حج ومعه غلام لا يميز ولا يمكنه أن يتلقن، فهل ينوي وليه بالحج عن هذا الغلام؟ ثم يلزمه الطواف أربعة عشر شوطا أم سبعة أشواط ؟ أثابكم الله .
ينوي به، ينوي الإحرام للصبي؛ ينوي: إني نويت أن أدخل ولدي هذا في النسك نسك حج أو نسك عمرة، ويجنبه المحظورات إذا كان ذكرا؛ فيجنبه لباس المخيط وتغطية الرأس والطيب وما أشبه ذلك، وأما الطواف فإنه ينوي في الطواف والسعي إذا كان حاملا له -أن طوافي عني وعنه، فإذا حمله نوى أن هذا الطواف عن الاثنين وكفاه سبعة أشواط.
س: أثابكم الله، وهذا سائل يقول: أحسن الله إليكم، حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءت فيه زيادة: سعيت قبل أن أطوف هل هذه الزيادة صحيحة؟ وما توجيهها إن كانت صحيحة؟
صححها بعضهم، وأفتى بها بعضهم، منهم سماحة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- ولكن الجمهور على أنها ما ثبتت، والذين ثبتوها كأنهم يقولون: إنها خاصة بمن لم يشعر؛ لأن في رواية: لم أشعر فتختص بالناسي، وأكثر العلماء على أنه لا يصح السعي قبل الطواف.

س: وهذا يقول: فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أردت العمرة في أيام الحج وبعد لبسي لإحرامي سمعت بعدم وجود تصريح للحج، ولبست الثوب وأكملت العمرة مع أهلي، فما الحكم ؟ أثابكم الله .
بمعنى أنك طفت وسعيت وأنت بثيابك؛ يعنى بعدما خلعت الثياب لأجل الذين منعوك بفقد التصريح، فنقول: إنك باق على إحرامك بهذه العمرة؛ فعلى هذا إذا كنت لبست الثياب فعليك فدية عن الثياب وفدية أخرى عن تغطية الرأس، صيام ستة أيام، أو إطعام اثني عشر مسكينا، وأما بالنسبة للحج فإذا لم تتمكن فأنت معذور لعدم التصريح.
س: أثابكم الله، وهذه سائلة تقول: فضيلة الشيخ، سؤالي هو أن بعض النساء إذا أرادت أن تضحي هل لها أن تمشط شعرها، أم تمتنع من ذلك؛ لأنه قد يسقط بعض الشعر بذلك؟ أفتونا أثابكم الله .
لا يمنع؛ لا يمنع ذلك أن تمشط شعرها، وأن تغسله، وأن تمشطه بمشط ونحوه ولو تساقط شيء من الشعر في أثناء المشط؛ فإن ذلك لا يضر فيسمى شعرا ميتا.
س: أثابكم الله، وهذا سائل يقول: من حج قارنا هل يستطيع أن يذهب مباشرة من الميقات إلى منى ويؤجل الطواف والسعي حتى يعود من عرفة أم ماذا يجب ذلك؟
طواف القدوم يعتبر سنة مؤكدة إن تيسر له وإلا سقط عنه، فإذا رأى عليه مشقة وجلس في منى في اليوم الثامن، أو ليلة التاسع ولم يطف طواف القدوم فلا حرج عليه.

س: وهذا سائل يقول: هل الأفضل في الذكر هذه الأيام أن يبدأ الشخص بأذكار الصلاة بعدها، أم يبدأ بالتكبير ثم يبدأ بالأذكار الخاصة في الصلاة؟ وهل جاءت فيها رواية صحيحة ؟
يبدأ بالأذكار الخاصة بالصلاة الاستغفار والتهليل وما أشبه ذلك، وبعد ذلك يكبر إذا أحب.

س: وهذا يقول: أثابكم الله، رجل يريد التعجل لأن معه نساء، ولكن هل السنة في حقه أن يتأخر، أو أن يبادر، ويتعجل مع الحملة التي هو معها؟ أثابكم الله .
إذا تمكن أنه يقيم اليوم الثالث عشر ولا يتعجل فهو أفضل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتعجل؛ بل مكث إلى اليوم الثالث عشر، أما إذا شق عليه التأخر عن الحملة فلا حرج عليه.

س: أثابكم الله، وهذه سائلة تقول: فضيلة الشيخ، ما حكم من أحرمت بالعمرة وعند وصولها أتتها الدورة الشهرية فسعت بين الصفا والمروة وبعد أن طهرت طافت بالبيت وقصرت من شعرها وحلت إحرامها، وهذا حصل قبل سنتين تقريبا؟ أفتونا أثابكم الله.
ما يجوز لها أن تسعى أولا: أن المسعى في داخل المسجد، والحائض لا تدخل المسجد؛ بل تقف عند بابه. وثانيا: أن السعي لا يكون إلا بعد الطواف، لا بد أن السعي يسبقه طواف ولا يصح قبله. وبكل حال هذه اجتهدت وسعت وقدمت السعي قبل الطواف بيوم أو بأيام ثم طافت بعد ذلك؛ فنرى أن السعي تركته، أو أن سعيها ذلك غير مجزئ، والمختار أنه يذبح عنها شاة واحدة من الغنم لمساكين الحرم جبرا لما تركته.

س: أحسن الله إليكم وأثابكم، والسؤال الأخير هذا سائل يقول: هل لكم أن توجهوا نصيحة لأناس لا يصلون في المساجد، وهكذا من يؤجر محلاته لأناس. أشخاص يبيعون المحرمات؟ أفتونا في حكم أعمالهم، أثابكم الله .
نصيحتنا كما قال السائل أن هذا فيه تعاون على الإثم والعدوان، إذا عرفت بأن هذا المستأجر لشقتك أو لمنزلك لا يحافظ على الصلاة مع الجماعة وأسكنته، أو لم تشترط عليه عند العقد؛ لم تشترط عليه المواظبة على الصلاة، فنرى والحال هذه أنك ساعدته على فعل المنكر، وأنت تعرف قول الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وعليك أن تحرص بما تستطيعه على أن الذين يجاورونك، أو يسكنون في أماكن أنت تملكها يكونون من أهل التقى ومن أهل الخير ومن أهل الإيمان والمواظبة على العبادات المحافظين على الصلوات.
وكذلك أيضا لا تسكن الذين يدخلون في بيوتهم أجهزة استقبال القنوات الفضائية التي تفتن من نظر إليها، ويعرض فيها من الأزياء الأشياء الكثيرة المحرمة الفاتنة، كذلك أيضا إذا كان لك محلات تؤجرها؛ يعني كدكاكين فننصحك ألا تؤجرها على أهل المعاصي الذين يبيعون فيها ما حرم الله، كالدخان وآلات اللهو وما أشبه ذلك؛ حتى يكون كسبك حلالا ليس فيه شبهة.
نسأل الله أن يحمينا ويعصمنا من العذاب والغضب إنه على كل شيء قدير. والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد .